من قاعات الكلية إلى العناية القلبية المركزة

إلى كل من يسير في طريق التمريض وإلى من يقف في بدايته متردداً خائفاً من المجهول وإلى من يتساءل هل هذا الطريق يناسبني هل سأقدر على تحمّل هذا الدور الكبير

أكتب إليكم من واقع تجربة حملت في طياتها الكثير من التعب والتعلم والتقلبات ما بين الحيرة واليقين بدأت رحلتي في التمريض بخطوات مترددة كنت خريجة حديثة من كلية التمريض أحمل في قلبي حلماً كبيراً لكنني لم أكن أعلم أن هذا الطريق سيختبر صبري وشغفي وإيماني بنفسي إلى هذا الحد

كانت أولى محطاتي في قسم الباطنية وهناك بدأت أرى التمريض بعين مختلفة لم يكن مجرد تطبيق عملي أو مهارة طبية بل كان شعوراً وإنسانية واحتواءً حقيقياً ثم انتقلت إلى قسم الجراحة وهناك رأيت المريض في أضعف حالاته وتعلمت كيف أكون له دعماً وأماناً بكلمة بلمسة وحتى بصمتي

لكن بالرغم من هذه التجارب ظلت داخلي حيرة كبيرة لم أكن أعلم إلى أي تخصص أنتمي كان كل قسم له ما يجذبني ويُخيفني في ذات الوقت كنت أبحث عن مكان أشعر فيه بأنني أعطي من روحي لا من علمي فقط كنت أشعر أحياناً أنني أبتعد عن هدفي ثم أعود إليه بشعور أقوى

قسم العناية القلبية المركزة لم يكن من أول اختياراتي بل كنت أتردد في التفكير فيه كثيراً كنت أراه قسماً ثقيلاً وصعباً ومليئاً بالحالات الحرجة التي تحتاج أعصاباً ثابتة وقلباً لا يرتبك بسهولة ومع ذلك كلما ازدادت الحيرة في داخلي كنت أجد قلبي يعود إلى التفكير فيه كأن شيئاً ما يناديني نحوه ومع مرور الوقت وبعد كثير من التردد اخترته وقلت لنفسي إن لم أُجرّب فلن أعرف وإن لم أواجه فلن أكتشف قدرتي

واليوم أكتب هذه السطور من قلبي ومن مكاني في قسم العناية القلبية المركزة وصلت بعد صبر طويل وبعد قرارات لم تكن سهلة وصلت بعد لحظات شعرت فيها أنني لا أستطيع لكنني أكملت وصلت بعد أن اخترت مكاني بإحساسي لا بخوفي واليوم أقولها بثقة هذا مكاني الذي أجد نفسي فيه وهذا حلمي الذي بدأ يتحقق كل يوم

التمريض ليس مجرد وظيفة بل حياة كاملة نعيشها بمشاعرنا وبصبرنا وبقوتنا الداخلية التمريض يعلّمك كيف تكون إنساناً أولاً قبل أن تكون ممارساً صحياً وكيف تزرع الأمل في قلب مريض حتى وإذا كنت في داخلك متعباً

واليوم أشارككم هذه المقالة كما شاركتكم من قبل مسيرتي في أكثر من مقال منذ أيام الدراسة حتى التخرج وها أنا أكتب من قلب المهنة التي أحببتها شكراً لكل من وقف في طريقي معلماً وناصحاً وموجهاً شكراً لمن علّمني بصبره وكلمته ونظرته شكراً لمن آمن بي حين كنت أشك في نفسي

ولكل من يسير في طريق التمريض لا تخف من التردد ولا من التعب ولا من البداية المتعثرة فربما في ترددك يكمن قرار حياتك وفي تعبك تولد قوتك وفي البدايات المتواضعة تُبنى أعظم النهايات

Like this article?

Subscribe
Notify of
guest

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

1 Comment
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Dr Abdullah Hasan
Dr Abdullah Hasan
8 hours ago

👏🏻👏🏻

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x