مهنة التمريض من اهم المهن الطبية، حيث أن العمل الطبي الحقيقي يعتمد بنسبة لا تقل عن ٩٠٪ على الرعاية التمريضية. وحيثما يكون التمريض قوياً، تكون المنظومة الصحية قوية وصلبة وذات جودة عالية. وقد شهد العالم في السنتين الماضيتين المعنى الحقيقي للعمل التمريضي وما قد يؤدي إليه نقص وضعف التمريض إلى انهيار للمنظومة الصحية بأكملها وهذا ما حصل فعلاً في بعض الدول أثناء الجائحة.
مهنة التمريض في الكويت ترتكز إدارياً على ثلاث زوايا، الأولى هي إدارة التمريض، والثانية هي وزارة الصحة، والثالثة هي جمعية التمريض الكويتية. التوازن ما بين هذه الزوايا الثلاث (المثلث) يصنع الفارق في الارتقاء بالمهنة او انحدار مستواها الفني والاداري. والتوازن لا يعني أبداً التوافق، ففي معظم الأحيان، خاصة في السنين القليلة الفائتة، كان المثلث متوافقاً مع بعضه البعض مما أحدث انحداراً تدريجياً في مستوى الأداء وجودة الرعاية التمريضية. التركيز في الفترة المنصرمة كان على ارضاء مجموعة من الممرضين وتفعيل بعض الدورات الإشرافية والترقيات للمناصب الإدارية في المهنة، ولم يحدث أي تطوير للمهارات الفنية للتمريض بشكل عام.
التوافق الذي حدث في المثلث كان توافقاً على “تمشية” المصالح و “تزريق” فلان وفلان في الدورات والمناصب، وفي جميع التصريحات تقتصر المطالبات على زيادة البدلات وأيام الاجازات واستحداث منصب وكيل وزارة مساعد للتمريض. من بين هذه المطالبات التي ذكرتها، المطلب الوحيد الذي يستحق العناء هو استحداث منصب وكيل مساعد خاص بمهنة التمريض، حيث أن عدد الممرضين العاملين في وزارة الصحة فقط يتجاوز ٣٠٪ من عموم موظفي الوزارة، غير الممرضين العاملين في القطاعات الأخرى خارج وزارة الصحة. أما بالنسبة للمطالبات الأخرى، على انها مستحقة تماماً، لكنها اصبحت اسطوانة مشروخة لا يتم التصريح بها إلا بالمناسبات وقبل الانتخابات. المطالبة الحقيقية تحتاج إلى عمل الدراسات ووضع خطط العمل المحكمة وجدول زمني محدد ومعلن يمكن للممرضين متابعته ومحاسبة اي تقصير في عدم الالتزام بالخطة والجدول الزمني. عدا ذلك، فإن الصراخ بالمطالب لا يتعدى كونه دعايات وبطولات زائفة لا قيمة لها. وتمشية المصالح لفئة محددة على حساب المهنة وخداع منتسبيها بالتصريحات الفارغة لا يثمر ولا يحقق الارتقاء بمهنة التمريض.
المطالبة بتعديل القوانين التنظيمية للمهنة والتي وضعت منذ السبعينات التي قد اندثرت في جميع الدول المتحضرة منذ أوائل التسعينات ولكنها لم تتغير حتى في عصر التطور الذي نعيشه حالياً. قوانين من شأنها استعباد البشر واحتقار مهنة من اعظم المهن في العالم، تسلب حريات منتسبيها خصوصاً من غير المواطنين. لم نر أي مطالبات بتعديل قوانين الاسكان للممرضين الاجانب الذين يعتبرون مساجين في غرفهم ولا يحق لهم الخروج والقدوم في اي وقت، ولا يحق لهم التنفس الا بإذن من “مشرف” السكن ولا يسمح لهم باقتناء ادوات مناسبة لطبخ مأكولاتهم المفضلة والعديد من الأمور التي تحتاج الى صحف ومجلدات لسرد قصصهم التي تشمئز لها الابدان.
لم نر أي مطالبات بتعديل قوانين اللباس الموحد ولم نر أي مطالبات بتعديل قوانين استقدام الممرضين من الخارج وآلية توظيفهم وضمان حقوقهم وتحديد رواتبهم، وأكبر مثال على ذلك الفضيحة الأخيرة للشركة التي ألغت عقود ممرضيها ورفضت تحويل اقاماتهم على وزارة الصحة الا بعد دفع مبالغ مالية نظير هذا التحويل، وان لم تمتلك المبلغ فارجع الى بلدك!
لم نر أي مطالبات من شأنها رفع المستوى التعليمي والثقافي للممرض. كيف لمهنة طبية أن تعيش على “طمام المرحوم” من دون تحديث لقواعد الرعاية التمريضية؟ أين المطالبة بتفعيل التعليم المستمر وتحصيل النقاط وربطها بالترقيات؟ وأين المطالبة بإقرار التخصصات التمريضية التي من شأنها أن تدحر الظلم الذي تمارسه بعض الجهات في حق ممرضيها؟ (إن لم تمتثل لأوامري أحولك العيادة او مستوصف)!!
طبعاً لم نسمع ولن نسمع عن مطالبات مثل هذه، ف “طمام المرحوم يوكل خبز ليش نغيره؟” واحنا شعب نحب المناصب ونحب نفسنا وبس، ومصالحنا اهم من مصلحة مهنة كاملة هي أساس الرعاية الصحية وأساس المنظومة الصحية بأكملها.
التوافق في المثلث يجب ان ينتهي والتوازن هو المطلوب. فمن غير المعقول أن تتوافق جميع الجهات مع بعضها البعض من أجل المصالح الشخصية ويكون الضحية هو الموظف المسكين الذي يعاني من العديد من الاضطهادات والارهاق الفكري والجسدي بسبب هذا التوافق. يجب أن تكون هنالك وجهات نظر مختلفة ضمن المثلث ليكون هنالك طرح جديد وافكار للنقاش والجدل حتى تتنشط المهنة ويقوم المثلث على ابتكار الحلول التي تساهم في رفع المستوى العلمي والعملي للممرض الذي بدوره يقوم على تحسين جودة المنظومة الصحية بشكل عام للشعب. فلا يعقل ان يكون مدير التمريض او مساعد مدير التمريض ووكيل الوزارة ورئيس جمعية النفع العام او النقابة هو شخص واحد بنفس الفكر ونفس “المصلحة” فهي الديكتاتورية بعينها ولا مجال للديموقراطية في هذا النموذج.
والعتب لا يقع على المثلث فحسب، فإن لنا كممرضين دور كبير في تحديد هوية هذا المثلث وذلك عن طريق ممثلنا في إحدى زواياه، وأتمنى ان نحسن الاختيار في الانتخابات القادمة ونزكي من هو على قدر عالٍ من الكفاءة في وضع الخطط والإستراتيجيات لحل المشاكل ووضع المطالبات الحقيقية التي من شأنها الارتقاء بمهنة التمريض بشكل عام، والابتعاد عن “حباب الخشوم” لانه يخدم من حب خشمه فقط ولن يستفيد العموم من اداءه. وبهذا تكون بداية نهاية التمريض.
عزيزي أستاذ علي الهاشمي
أود أن أعبر عن تقديري العميق لمقالك الرصين حول مهنة التمريض في الكويت. مقالك “بداية نهاية التمريض” يمثل نداءً حقيقيًا للتغيير والتحسين في مهنة التمريض. لقد تناولت الموضوع بجرأة وصراحة، وهو ما يساهم في فتح باب حوار بناء حول كيفية الارتقاء بهذه المهنة الحيوية. أتطلع لرؤية مزيد من كتاباتك التي تسعى دائمًا نحو تطوير وتحسين مجالات العمل المهمة في مجتمعنا.
مع أطيب التحيات
يعطيك العافيه استاذ علي ،، كلامك يصعب على اي شخص ان ينكره وهي فعلا كارثه بحق مستقبل التمريض ان استمرت ولكن نظل نتفائل الى ارتقاء ممرضينا وممرضاتنا وتشجيعهم دائما على الاستمرار بتطوير مهنتهم ومهاراتهم بالتعليم المستمر. وبقاء الحال من المحال ،، دائما وابدا نحن من يصنع الفرق ،، ومثل ماقلت عندنا مجتمع واعي قد نستطيع طرح بعض هموم وعثرات المهنةالتى تخدم المجتمع، وللتذكير بان ليس التمريض وحده يعاني من الخلل بل القنوات المتصله بالتمريض تعيق مهام التمريض والعجز والميزانيه والرؤيا المستقبليه المتغيرة بتغير الظروف والوقت ، لا يوجد جهة حكوميه خاليه من الخلل نحن بالف حمد وشكرا واعين ونقدر نوصل صوتنا من خلال عملنا وجائحة كرونا خير من نقل دور التمريض وابرز دورنا واتضحت مظلومية مهنتنا ،، اشكر جهودك استاذي ،، بجعل هناك مساحه للطرح وابداء الراي والتفاعل الذي يخفف عليننا من ضغط العمل
أستاذ علي ، للمرة الثانية و الثالثة و الألف نشكرك على المساحة اللي تعطينا اياها للتعبير عن راينا، و شكرا أكثر لمشاركتك لنا همومنا و طموحنا بوقت قلّوا فيه اللي يطالبون بشكل حقيقي لحقوق التمريض، لأن البعض يهمه الكرسي أكثر من التطوير للأسف و البعض الآخر يأس 💔 لأن طالبوا وايد و محد سمعهم، جمعية التمريض لي متى نفس الأشخاص اللي تعبنا و احنا نصدقهم و نسمع وعودهم؟ يا ريت بالانتخابات اليايه نشوف تغيير ، الكادر نزل بالسستم صح و الله يبارك لجميع الكويتيين، لكن الغير كويتيين متى؟ حتى لو بالشي البسيط، شي ثابت على رواتبهم يسعدهم، أو شوية تطوير للسكن اللي موفرته الوزارة لهم ، أيام بدايات أزمة كوفيد المجتمع تغيرت معاملته لنا فجأة، صاروا وايد ناس يعرفون قيمة التمريض و الممرضين، ليش نحتاج مصيبة عشان نحترم الوظائف المهمة بالبلد؟ 💔 ليش المعاملة تختلف للممرضين حسب الجنسية من المجتمع! و طبعا المواضيع اللي ذكرتها أستاذ حساسه و موجوده فعلا ،، و أي شخص مطّلع على أمور التمريض يلمسها بكل جهة تقريبا، بس الحين رجائي؛ نحتاج منكم طرح الحلول و المقترحات و الله يجزيكم الخير
فعلا دكتور لو ما تحسن الوضع ، الوضع لقدام في مأزق استقالات لا تحصى اسمع فيها يوميًا عندنا بالمستشفى ، هاد رح يأثر على مسار العمل ويكون في تقصير لنقص الممرضين