ليش مو لابس قحفية؟

يُحكى أن نمرًا متنمرًا كان يعاني من فراغ روحي وفقر في المبادئ. وجد في القرد ضحيةً سهلة لتفريغ عقده الشخصية. وفي كل مرة يراه، يضربه على رأسه ويسأله بسخرية: “ليش مو لابس قحفية؟”

القرد، رغم صغر حجمه وبساطته، لم يعد يتحمل الإهانات المتكررة، فتوجه إلى الأسد، ملك الغابة، يشكو له التنمر والظلم

استمع الأسد للحكاية، فاستدعى النمر، وقال له

“أنت من أسياد الغابة، ولك مكانة وهيبة، فلا يليق بك أن تستقوي على من هم أضعف منك. التنمر لا يُنقص من القرد بقدر ما يُسقط من قدرك”

“رد النمر بابتسامة وقحة: “أنا لا أكرهه، لكن أجد متعة في ضر

فقال له الأسد، محاولًا الحد من التنمر بذكاء

إن كنت تصر على ضربه، فليكن لديك مبرر واضح، حتى لا تظهر كمن يضرب عبثًا. اطلب منه شيئًا، كأن يأتيك بتفاحة. وإن جاءك بتفاحة حمراء، قل إنك أردت خضراء، والعكس

أعجب النمر بالخطة، وخرج منتشياً من ديوان الملك. وفي طريق عودته صادف القرد، فناداه متصنعًا الحزم

“روح جيب لي تفاحة”

:وقف القرد لحظة وفكر، ثم قال بخوف

“بس تبيها حمرا ولا خضرا؟”

فاشتعل النمر غضبًا وضربه على رأسه، قائلًا كعادته

“ليش مو لابس قحفية؟”

هذه القصة الرمزية تسلط الضوء على شكل مألوف من أشكال التنمر المؤسسي — الذي يمارسه بعض المسؤولين الإداريين في مؤسساتنا الصحية، لا لسبب منطقي، بل من أجل فرض سلطة أو تلبية نزعة تسلطية متخفية تحت غطاء “التوجيه” أو “النظام” أو “السياسات”

اليوم، يقف الممرض في بعض المؤسسات عاجزًا أمام قرارات عبثية وتعليقات تقلل من شأنه، كأن يُقال له: “ليش مو لابس قحفية؟” — رمزٌ لكل مبررٍ واهٍ يستخدم كذريعة للإهانة أو التقليل من القيمة

بعض الإدارات تستمر في ممارسة هذا النمط السام من القيادة، متناسيةً أن رضا الممرضين هو الركيزة الأولى لجودة الرعاية الصحية

كيف نطلب من الممرض أن يكون عطوفًا، صبورًا، دقيقًا، ومبادرًا، وهو يعمل في بيئة تشكك في نواياه، وتحاصره باللوم والتوبيخ؟

الدراسات تؤكد أن الرضا الوظيفي لدى مقدمي الرعاية يرتبط مباشرة بنتائج المرضى، وجودة الأداء، واستمرارية العمل، وحتى معدل الوفيات. في المقابل، تشير الأبحاث إلى أن الاحتراق الوظيفي الناجم عن بيئات العمل السامة يؤدي إلى تدهور الإنتاجية، وزيادة معدلات الغياب، والاستقالات، وحتى الأذى النفسي المزمن

نحن اليوم نعيش تحديات غير مسبوقة في قطاع التمريض

ازدياد الطلب على الممرضين عالميًا

توسّع في المرافق الصحية

عزوف الشباب عن الالتحاق بالمهنة

استقالات متزايدة نتيجة سوء الإدارة

كل هذا يحدث بينما لا يزال بعض الإداريين يعتقدون أن صراخهم على الممرضين “يُظهر قوة”، أو أن تقريعهم العلني “يحسن الانضباط”، أو أن إحراج الممرض “يعيد التوازن للمؤسسة”

ختامًا

نحن لا نطلب المستحيل. نطلب فقط بيئة عمل تحترم إنسانيتنا، تُنصفنا في تقييمنا، وتتعامل معنا كشركاء في النجاح، لا كأهداف متاحة للتنمر والإقصاء

“ليش مو لابس قحفية؟” ليست مجرد عبارة ساخرة — إنها تعبير رمزي لكل أشكال القهر والتبريرات الزائفة التي تُمارس ضد الممرضين. آن الأوان أن نتوقف عندها

لذل، وبمناسبة يوم التمريض العالمي، آن الأوان أن نعيد النظر في ثقافة الإدارة، وأن نضع صحة الممرض النفسية كأولوية استراتيجية وأن نقولها بصوت عالٍ: بيئة العمل الصحية هي أساس الرعاية الصحية الآمنة

كل عام وجميع ملائكة الرحمة بخير وأقوى

Like this article?

Subscribe
Notify of
guest

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

2 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
رجاء الرشيدي

قصة رمزية لكنها تمثل واقعًا مؤلمًا نعيشه، وصرخة وعي لازم توصل ، بيئة العمل الصحية مو رفاهية، هي حق ومفتاح لكل رعاية آمنة ، شكرًا من القلب على هذا الصوت الشجاع🌸🌸.

Fatma Al Abdullah
فاطمه العبدالله
6 days ago

يوم سعيد ورائع ومجهود تشكر عليه احيا القلم متنفس جميل عن ضغوطات العمل وتعبير عن بعض القوانين التى تفرض دون الشرح عن سبب وجود يحدث فارق بنفسية اي موظف ليس فقط التمريض اتوقع كلنا لبسنا الطاقيه ،،،، تحياتي لافكارك الجوهريه والمفيده والحكيمه

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x