ملائكة الرحمة وشياطين الواقع

أعلن مدير منظمة الصحة لعالمية تيدروس أدهانوم في بيان “الممرضون والممرضات هم الركيزة الأساسية للأنظمة الصحية”

الحاجة الكبيرة للطاقم التمريضي في المنظومة الصحية لا تقتصر على الكويت فقط وإنما في العالم ككل خصوصا في ظل هذه الجائحة واستمرارها لعامين متتاليين.

كلية التمريض ومواكبة الأحداث..

لا شك أن كلية التمريض تعمل جاهدة على  تشجيع الطلبة على الالتحاق بمهنة التمريض من خلال زيارتها السنوية للمدارس، تشجيع طلبة الكلية على مدار العام من خلال إقرار مكافأة التخصص النادر، ايضاً بمساعدة ديوان الخدمة المدنية بفتح البرنامج الوطني وتشجيع الكوادر الوطنية على إكمال دراسة البالكريوس والبكالريوس التكميلي. حيث توجه عدد كبير من الطاقم التمريضي من الكويتيين لاستكمال دراستهم. علماً بأنه تم افتتاح برنامج البكالريوس في ٢٠٠٣ وتم تخريج أول دفعة في ٢٠٠٧، أغلب الخريجين حالياً يشغلون مناصب إدارية وأكاديمية مهمة في التمريض. تقدر مخرجات كلية التمريض السنوية ب ١٣٠ ممرضاً وممرضة ما بين الدبلوم و البكالريوس لكن لا يخفى على الجميع ان هذا العدد قليل جداً مقارنة بالنقص الشديد للحاجة الفعلية على أرض الواقع.

العمالة الوافدة وسد النقص

على مدار السنوات السابقة تم الاستعانة بالطاقم التمريضي عن طريق الوزارة، حيث يتم تقديم الطلب إلى إدارة الخدمات التمريضية، ومن ثم اجتياز الاختبار والمقابلة الشخصية ومن ثم عمل رخصة لمزاولة المهنة في إدارة التراخيص، أو عن طريق التعاقد مع شركات محلية، قيمة التعاقد تقدر بملايين الدنانير، تقوم هذه الشركات المحلية بدورها بالإعلان عن الشواغر ويتم الاستعانة بأفراد التمريض بنفس الطريقة السابقة. علماً بأن هذه الشركات لا تختص بالتمريض فقط وإنما تستقطب أيضاً فنيين الصيدلة، والأشعة وغيرها من التخصصات التي تحتاجها المنظومة الصحية.

استمرت الوزارة بالتعاقد مع هذه الشركات لسد النقص على مدار عدة سنوات، وعند اقتراب موعد إنتهاء العقد ترى الجميع في المستشفى والوزارة في حالة استنفار واجتماعات الى أن ينتهي الموضوع بالتجديد مرة أخرى خشية الوقوع في النقص ومن ثم انهيار المنظومة الصحية.

نلفت الإنتباه الى نقطة مهمة وهي معاناة الطاقم التمريضي بهذه الشركات، بداية يقوم الممرض بدفع مبلغ مادي للشركة يقدر ببضعة آلاف من الدنانير ليتم قبوله بالوظيفة، براتب يقدر بربع راتب ممرض الوزارة ويتطلب منه العمل في نفس الأقسام التخصصية والمستوى المهني الذي يعمل به ممرضو الوزارة، في أكثر صور اللامساواة واللاعدالة تجلياً وتجسيداً.

بالإضافة إلى ذلك، لا يتمتع ممرض الشركة بالحق في  الإجازات الطارئة/ ولادة /مرافق مريض(طفل) / تعزية وغيرها كما يتمتع بها ممرضو الوزارة، حيث يتم خصم هذه الأيام من مرتبه الشهري او يضطر غيره بعمل النوبة بدلا عنه، ليس لديه إلا أحد هذه الحلول، إما أن يخصم من مرتبه او يقوم زميله بعمل نوبتين في اليوم الواحد أي ما يقارب العمل ١٥ ساعة في اليوم. وغيرها من الصور السلبية التي لا يتسع المجال لذكرها الآن.

طوال هذه الفترة كانت محاولات الممرضين بتحويل العقد من الشركة الى الوزارة للتمتع بأبسط حقوقهم الإنسانية والمهنية تنتهي بالفشل، وذلك بسسب طلب هذه الشركات مبالغ مادية باهظة جداً تتجاوز أحياناً ٥ آلاف دينار كويتي، حالف الحظ البعض القليل منهم بعدما حصل على مساعدة ما غالباً لا تتوفر للآخرين.

تفاقمت هذه المعاناة مؤخراً بإنهاء التعاقد مع واحدة من هذه الشركات، إنهاء العقد يعني الإستغناء عما يقارب ٥٠٠ ممرض وممرضة معظمهم من ذوي خبرة طويلة في الكويت ومستشفياتها.

إن الحاجة لسد النقص والحفاظ على ديمومة واستمرارية استقرار المنظومة الصحية في بلد يتغنى مسؤولوه بضرورة مراعاة الحقوق الإنسانية للمواطنين والمقيمين على حد سواء، لا يمكن أن يبرر بأي شكل من الأشكال هذا الواقع المأساوي من اللامساواة واللاعدالة في التمييز الإنساني والوظيفي باستغلال حاجات البسطاء للعمل لاكتناز الثروات وتحقيق أرباح مليونية على حساب حقوق الناس الأساسية والطبيعية، كنا على الدوام أنا والكثير من زملائي في الطاقم التمريضي نرى فيما يحصل مهانة مستمرة واستغلالاً بشعاً للممرضين وابتزازاً جشعاً بذريعة احتياجات المنظومة الصحية.

لذلك ولغيره من الأسباب، كنت أفضل إنهاء العقد في وقت تكون فيه المنظومة الصحية في البلاد مستقرة وليست في أشد اوقاتها صعوبة، حالياً الإستغناء عن ٥٠٠ ممرض وممرضة قد يكون سبباً رئيسياً لانهيار  المنظومة الصحية، وفي ذات الوقت بات الأمر صعباً جداً، للإستمرار في انتهاك حقوق هؤلاء الممرضين خصوصاً بعد كل الذي كابدوه وبذلوه في هذه الجائحة، ومساهمتهم الفعالة في عبور موجات شديدة من الوباء التي عصفت بالبلاد خلال السنتين الماضيتين، ودورهم الكبير في تحصين المجتمع والعبور إلى مناعة مجمتعية من خلال حملات التطعيم الكبيرة والطويلة التي كانوا جزءاً لا يتجزأ من كوادرها.

ماذا لو؟

تقدر نسبة الكوادر الوطنية العاملة في قطاع التمريض في الكويت ما يقارب 4% علماً بان هذه النسبة كانت 7% في السنوات السابقة لكنها تقلصت بعد الكثير من الصعوبات والمطالبات بالعديد من حقوق الممرضين  التي لم تُقابل بالتجاوب البناء والتفهم.

الكادر الوطني الذي أصبح أشبه بالحُلم، أخذ ما يقارب ثلاث سنوات ولم يتم إقراره بعد، الكادر الوطني الذي ظلم الكثير من الممرضين. فماذا لو تم تقدير هذه الكوادر الوطنية بإقرار الكادر الوطني؟ هل كنّا سننقذ عدداً لا بأس به من الممرضين الكويتيين من الهروب من مهنة التمريض؟

ماذا لو؟

ماذا لو تخلت وزارة الصحة عن آلية الإستعانة بشركات استقدام الممرضين على عقود مجحفة، وتوسعت باستقدام الممرضين مباشرة! ماذا لو استفادت من عشرات الممرضين من غير محددي الجنسية لتدعيم المنظومة الصحية؟

سلامة المنظومة الصحية والمحافظة على استقرارها يجب أن يعتمد على توفير بيئة عمل طبيعية، يتمتع بها الأفراد بحقوقهم الوظيفية والإنسانية، بيئة عمل يشعر بها الأفراد بالأمان الوظيفي وبأن لديهم فرصة، فرصة يستحقونها

Like this article?

Subscribe
Notify of
guest

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

6 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Nashwa A
Nashwa A
2 years ago

طرح دقيق لما يحدث خاصة أن يكون من شخص كان فى قلب الحدث ولامس الواقع عن قرب 👍👍

Ameena Eskandari
2 years ago

أتفق معاج اخت انتهاج…المنظومة الصحية في وزارة الصحة آيلة للسقوط..التمريض من الجنسيات الاخرى تشبعت بخير الدولة والمجموعات الجديدة فقط تأتي لتحصيل الخبرة ..واعداد الاستقالات حدث ولاحرج…أرجح رأيج وبقوة الاستفادة والتمسك باخوانا من الغير محددين الجنسية.. وانه يقرون الكادر للكوادر الكويتيه للتمسك بهم لانه اللي الاغلب قاعده يتجهه للقطاع الخاص .للاستفادة من دعم العمالة لرفع سقف راتبهم وعليهم بالعافية..ونتمنى انه التشجيع للكوادر الموجودة بالصحة يكون ماديا ومعنويا…..

Last edited 2 years ago by Ameena Eskandari
Hamed
Hamed
2 years ago

المقال يلامس الواقع، و صياغته الممتازه اكثر ما شدني، لانه يصعب أن يتشجع غير المتخصص بقراءة مقال تكثر أخطاؤه اللغوية أو يحوي مصطلحات علمية كثيرة

صادق
صادق
2 years ago

ماذا لو عمل نخبة من منتسبين الهيئة التمريضية يدا بيد من اجل النهوض والرقي 😃
وامتلك الصلاحيات بدلا من الزملاء الاطباء

شكرا على الطرح 👍🏻

Ahmed
Ahmed
2 years ago

تشخيص دقيق وإحاطة ممتازة، إن شاء الله يلتفت لذلك من يعنيهم الأمر

صادق
صادق
2 years ago
Reply to  Ahmed

😃

6
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x